معاوية بن أبي سفيان- بين التمجيد والانتقاد، قراءة موضوعية في التاريخ الإسلامي

المؤلف: أسامة يماني09.28.2025
معاوية بن أبي سفيان- بين التمجيد والانتقاد، قراءة موضوعية في التاريخ الإسلامي

لقد احتدم النقاش والجدال بشكل كبير حول شخصية الخليفة الأموي، معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه. هذا النقاش المحتدم يعكس بوضوح تباينًا جليًا في الرؤى والتقييمات التاريخية لشخصيته، ويعود جزء كبير من هذا التباين والتنوع إلى تأثيرات سياسية وثقافية عميقة الجذور، تراكمت عبر القرون الماضية وزادت من حدة الاختلاف.

فنجد فئة من الناس تمجّده وتبالغ في مدحه، حتى إن البعض يكاد يصل به الأمر إلى مرتبة التقديس والإعلاء من شأنه، وعلى النقيض تمامًا، نجد فئة أخرى تنظر إليه بكراهية شديدة، ولا يرون له أي فضل يذكر، أو منقبة تحسب له، أو فضيلة يتصف بها. والمشكلة الأساسية، من وجهة نظري المتواضعة، تعود إلى الطريقة التي يفكر بها أغلب المنتمين إلى العالم الإسلامي، والتي تتلخص في أننا نحاكم الماضي بمعايير ومفاهيم الحاضر، وبما صورته المواقف السياسية للدولة العباسية التي سعت لتشويه صورة الأمويين، بالإضافة إلى ما قام به الأعداء من محاولات حثيثة لبث الفرقة والشقاق، وتأصيل مفاهيمها السلبية داخل البلد الواحد، كما حدث في العراق وغيرها من الأقطار الإسلامية التي عانت من هذه الفتن. لا شك أن معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، يُعد واحدًا من أبرز الشخصيات القيادية في التاريخ الإسلامي بأكمله، فقد أسّس الدولة الأموية القوية التي حكمت أرجاء العالم الإسلامي الواسعة لأكثر من تسعين عامًا. ومع ذلك، فإن سيرته العطرة تثير جدلًا واسعًا ونقاشًا عميقًا بين المؤرخين والباحثين وعامة المسلمين على حد سواء. لهذا السبب نجد أن البعض يمجّده ويرونه رجل دولة محنكًا بارعًا، وسياسيًا فذًا، في حين ينتقده آخرون بشدة ويعتبرونه مسؤولًا عن بعض الانحرافات السياسية والدينية التي حدثت في عصره، متناسين في غمرة انتقادهم دوره المهم والبارز الذي لعبه في ما يُطلق عليه الفتوحات الإسلامية العظيمة، خاصة في منطقة الشام، حيث عُيّن واليًا عليها في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

إن الخليفة معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، قد ارتضاه الحسن بن علي، رضي الله عنهما، والأمة الإسلامية بأكملها في ذلك الزمان، حتى أُطلق على خلافته المباركة «عام الجماعة»، وهو العام الذي شهد توحد المسلمين واجتماع كلمتهم. ومما لا شك فيه أننا أمام شخصية تاريخية معقدة ومركبة، تثير إعجابًا كبيرًا لدى البعض، بينما تثير استياءً واضحًا لدى الآخرين. ويرجع ذلك في الأساس إلى التقييم غير الموضوعي وغير العادل، الذي يتم دون الأخذ في الاعتبار السياق التاريخي الدقيق والظروف الصعبة التي عاشها في تلك الفترة. ومن الواضح الجلي أن الجدل الدائر حوله يعكس اختلافًا كبيرًا في الرؤى والتقييمات، ويُظهر بجلاء مدى أهمية قراءة التاريخ بعين فاحصة ناقدة، والابتعاد قدر الإمكان عن التمجيد الأعمى المبالغ فيه، أو النقد الجارح المبالغ فيه أيضًا، مع ضرورة تذكر أن معاوية كان رجل دولة بارعًا بكل المقاييس، استطاع بفضل حنكته ودهائه السياسي تحقيق الاستقرار المنشود بعد فترة طويلة من الاضطرابات والفوضى. كما يُعتبر دوره المحوري في الفتوحات الإسلامية وإدارته الحكيمة للدولة إنجازات عظيمة لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها.

إن الجهل بأبعاد التاريخ، والتعصب الأعمى للآراء المسبقة، وفقدان النقد البناء والتحليل الموضوعي المتزن، وتأثير العوامل السياسية والثقافية المختلفة، والخلافات المذهبية والطائفية العميقة، وكذلك الخلافات التاريخية بين السنّة والشيعة، كل هذه العوامل مجتمعة لعبت دورًا كبيرًا وفاعلًا في تشكيل الصورة النمطية السلبية عن شخصية معاوية، رضي الله عنه. فبينما يمجّده أهل السنّة والجماعة، ينتقده بعض الشيعة بشدة لموقفه من علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. ومما ساهم في تأصيل هذه الصورة النمطية أيضًا سعي العباسيين الحثيث لتشويه صورة الأمويين وتبرير ثورتهم العنيفة ضدهم، مما أثّر سلبًا على الروايات التاريخية المتناقلة.

إن استخدام التاريخ والرواية التاريخية ما هو إلا أداة قوية توظفها الجماعات المختلفة لتعزيز أجنداتها السياسية الخاصة، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تضخيم بعض الجوانب التاريخية وإهمال جوانب أخرى مهمة. كما أن الاستقطاب السياسي الحاد الذي استخدمته بعض الجماعات أثّر بشكل كبير على الروايات التاريخية، وجعلها عرضة للتلاعب والتحريف.

ومن الناحية الموضوعية المجردة، يجب علينا النظر إلى إنجازات وسلبيات معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، في ضوء السياق التاريخي الذي عاش فيه والمفاهيم السائدة في ذلك العصر. ومن بين أبرز إنجازات الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان: توحيد كلمة العالم الإسلامي بعد فترة من الفرقة والانقسام، وإنشاء الأسطول الإسلامي القوي الذي حمى سواحل الدولة الإسلامية، والإصلاحات الإدارية الهامة التي قام بها، حيث أدخل نظامًا إداريًا مركزيًا متطورًا، وقسّم الدولة إلى ولايات متعددة، وعيّن ولاة أكفاء لإدارة شؤونها.

وفي الختام، يظل معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، شخصية تاريخية بارزة ومهمة، تحتاج إلى دراسة متأنية وعميقة لفهم دوره الحقيقي في تشكيل التاريخ الإسلامي العظيم.

وفي الختام أيضًا، يظهر لنا مدى الحاجة الماسة إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وتنقيته من الشوائب والأخطاء، وتطوير مناهج التعليم والمفاهيم الفقهية التي تعيش على الخلاف والفرقة والروايات الضعيفة، لكي تتماشى مع متطلبات عالم الذكاء الاصطناعي والتقنية الحديثة والمستقبل المشرق، بعيدًا عن التعصب والفرقة والخلافات التي لا طائل من ورائها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة